رياضة سليم الرياحي متّهم أم ضحيّة؟!
لم تخف الجماهير العريضة للنادي الإفريقي غضبها من التراجع المذهل والمثير الذي عرفه فريقها في البطولة مما أدى إلى تدحرجه في سلّم الترتيب وتخلّفه عن صاحب الطليعة بتسع نقاط كاملة، وهو الذي كان يحتلٌ الصدارة منذ بضعة أسابيع فقط. هذا الإنحدار الجنوني قد أصاب أنصار الفريق بالصدمة والذهول، وهم الذين كانوا يمنون النفس بالتتويجات والقطع مع الإخفاقات والسنوات العجاف.
كانت أحلامهم كبيرة وأمانيهم عريضة وطموحاتهم عديدة خصوصا بعد أن تجاوز النادي مشاكله المالية بقدوم سليم الرياحي، ولكن تبين أن الأموال لا تصنع الربيع ولا تكفي -وحدها- لتجسيم هذه الطموحات وتحويل الأحلام إلى واقع ملموس..
فالمال -وعلى أهميته - لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحقق الأهداف إذا غاب الفكر والعقل، وهو ما ينطبق على فريق باب الجديد الذي وإن وجد ضالته في الرياحي لتجاوز أزمته المالية فإن طريقة التسيير والتصرّف في هذه الأموال كانت ارتجالية عقيمة فاشلة.
هناك من يقول إن الرياحي دخل الإفريقي من أجل الشهرة وبحثا عن الشعبية، وهناك من يؤكد أن هذا الرجل يسعى من خلال رئاسة فريق باب الجديد إلى البحث عن مكان بارز له في الساحة السياسية والترشح انطلاقا من ذلك للإنتخابات الرئاسية خصوصا أن الحزب الذي بعثه ليس بالحجم والقوة والشعبية التي تجعل منه منافسا له وزنه في الساحة، وبالتالي قد يكون الإفريقي بوابة للسلطة بالنسبة للرياحي.
هذا الطموح، وعلى خلاف ما يراه البعض ، يمكن أن يكون مشروعا للرياحي ولغيره من رجال المال والأعمال والسياسة الذين يستعملون الرياضة والنوادي العريقة لتحقيق أهدافهم الشخصية سواء كانت سياسية أو مالية أو دعائية خصوصا أن الظاهرة تكاد تكون موجودة في أغلب البطولات الأوروبية وعند أعرق النوادي التي باتت على ملك رجال أعمال وأثرياء خليجيين قد لا تكون لديهم علاقة بالرياضة ولا بالنوادي التي اشتروها وأصبحوا مالكين لها، وهنا نذكر على سبيل المثال إقدام رجل الأعمال الكويتي فواز الحساوي على شراء نادي نوتنغهام فورست أحد أعرق الفرق الأنقليزية إذ تأسس عام 1865، ويزخر سجله بألقاب عدة، أبرزها فوزه بكأس الاندية الاوروبية البطلة (دوري ابطال اوروبا حاليا) مرتين متتاليتين عامي 1979 و1980، بالإضافة إلى لقب الدوري المحلي عام 1978 وكأس انقلترا 1898 و1959، وكأس رابطة الأندية الانقليزية المحترفة 1978 و1979 و1989 و1990 وكأس السوبر الأوروبية 1979.
وعلى غرار الحساوي هناك العديد من رجال الأعمال العرب الذين باتوا يمتلكون نوادي أوروبية كبيرة وعريقة مثل الإماراتي الشيخ منصور بن زايد مالك نادى مانشستر سيتى الإنجليزى، والقطرى عبد الله الثانى مالك نادى مالاقا الإسبانى، بالإضافة إلى امتلاك جهاز قطر للاستثمار، التابع للأسرة الحاكمة القطرية لنادى باريس سان جرمان الفرنسى، وغير ذلك من الصفقات المدوية التي أصبح بمقتضاها رجال أعمال يستثمرون في النوادي..
لذلك فإن ما قام به الرياحي مع الإفريقي ليس بدعة ولاهو بجديد على الرياضة العالمية، ولكن المشكلة حسب رأيي لا تكمن في رئاسة النادي وضخّ الأموال بطريقة لم تخل من الإسراف في بعض الأحيان، بل في كيفية التسيير وفي خطط وبرامج العمل ورسم الأهداف، وهنا يكمن بيت القصيد..
فقد تبيّن من خلال متابعتنا لطرق العمل والتسيير في الإفريقي والقرارات التي كانت تتخذ لتصريف شؤون هذه الجمعية غياب التنظيم وانعدام البرمجة وكثرة المتدخلين والمتمعشين الذين وجدوا في أموال الرياحي ومن خلاله الإفريقي فرصة «لتدبير الرأس» وتحقيق المآرب على حساب هذه الجمعية، ناهيك أن هناك من هو في الهيئة المديرة ولا علاقة له بالإفريقي، وهناك من يتدخل ويتحكّم في الإنتدابات ولا علاقة له أصلا بكرة القدم، وهناك من كُلّف بالتسيير ولا علاقة له لا بالتسيير ولا بحسن التدبير، بمعنى آخر اختلط الحابل بالنابل ودفع الفريق ضريبة موجعة لسوء الإدارة والإرتجال واللخبطة والعشوائية التي باتت السمة البارزة في أداء أعضاء «الهيئة المديرة» نتيجة عدم إلمام الرياحي بقواعد التسيير الرياضي لافتقاده الخبرة، ونتيجة أيضا لتعويله على أشخاص لا علاقة لهم بالكرة، استغلوا الوضع لتحقيق مكاسب وغنائم شخصية..
لقد بلغتني حقائق حول وقائع غريبة قد أعود إليها في مناسبة أخرى تبرز «التلحيس» والنفاق الذي يمارسه البعض من «المسيّرين» للمحافظة على أماكنهم واستمرارهم في خططهم وتكشف حقيقة نوايا هؤلاء وخبثهم وطمعهم وجشعهم.
لقد غاب على السيد الرياحي ذلك المثل الشعبي المعروف «اللّي يعمل طاحونة يعمللها دندان»، وقد كان عليه أن يختار الإطار المسير الذي يمكن أن يمهد لنجاح مشروعه مع الإفريقي إن كان هناك مشروع أصلا ويضع الأشخاص الأكفاء الذين يحتاج إليهم الفريق..
كان على السيد الرياحي أن يقتدي بالنوادي الأنقليزية بحكم تردده على عاصمة الضباب و«البيغ بان» التي دخلها رأس المال الروسي والخليجي ليلاحظ النقلة النوعية التي عرفتها والقفزة العملاقة التي حققتها بعد شرائها من قبل مستثمرين جدد لأنّ في نجاحها نجاحهم، وفي تتويجها تتويجا لهم، والدليل هو نجاح «المان سيتى» في الحصول على لقب الدوري الإنقليزي الغائب عن خزانته منذ 44 عامًا، بعد صراع طويل مع جاره وغريمه التقليدى مانشستر يونايتد، ليؤكد أن للمال نفوذا قويا يساعد على التألق والنجاح إذا حضر حسن التسيير والتدبير، حيث تمكن المشرفون على إدارة الأمور في هذا النادي من عقد أقوى الصفقات وانتداب أكبر النجوم مثل الأرجنتينى سيرجيو ومن قبله مواطنه كارلوس تيفيز والإيفوارى يايا توريه والإسبانى ديفيد سيلفا والبوسني ايدين دزيكو، وغيرهم من اللاعبين الذين ساهموا بشكل كبير فى تطوير أداء الفريق.. يذكر أن مجموعة شركات الاتحاد الإماراتية والتي على ملك الشيخ منصور بن زايد، كانت قد اشترت النادى الأنقليزي سنة 2008، وقد أنفق النادى ما يقرب عن 380 مليون جنيه إسترليني أي ما يفوق 990 مليون دينار تونسي لتوفير الإمكانات اللازمة للمنافسة على المسابقات المحلية والأوروبية، وبالفعل بدأت هذه النفقات تؤتي ثمارها، وأحرز المان سيتى لقب الدورى كخطوة أولى نحو ألقاب محلية وأوروبية أخرى.
من جهته أنفق الملياردير الروسى رومان إبراموفيتش 900 مليون جنيه إسترلينى منذ أن اشترى تشيلسى سنة 2003، ورغم ذلك لم يفز بلقب «الشامبيونز ليغ» إلا بعد مرور تسع سنوات على التخطيط والإنفاق وبالتحديد في موسم 2011 / 2012 عندما نجح الفريق فى الوصول إلى المستوى الذي يؤهله إلى مناطحة الكبار.. من ناحية أخرى، اتبع الجهاز القطرى للاستثمار النهج نفسه مع نادى باريس سان جيرمان، وأنفق 140 مليون يورو، كمرحلة أولى إلى أن تجاوزت الميزانية المخصصة للإنتدابات أكثر من 200 مليون يورو أي ما يعادل 480 مليون دينار، وقد سخرت مال قارون هذا لاستقطاب النجوم الكبار، فجاء التتويج بالألقاب المحلية ودخل الفريق المنافسة على الساحة الأوروبية من الباب الكبير بعد أن كاد يلفه النسيان.
إن المال -وعلى أهميته- لا يمكن أن يصنع النجاح (L'argent ne fait pas le bonheur) في غياب التخطيط السليم والأشخاص القادرين على التنفيذ، وبالتالي لابد على السيد الرياحي إذا أراد فعلا أن يكسب التحدي وينجح في هذه المغامرة أن يغير أسلوب وأدوات عمله وخاصة المحيطين به الذين يمكن أن يكونوا أصدقاء مقربين مبجلين عنده، لكنهم لا يصلحون بالضرورة لأن يسيّروا جمعية رياضية عريقة تتجاوز شعبيتها حدود الوطن.. ولأنّ الثابت أن رئيس الإفريقي ليس سعيدا بما وصلت إليه الأمور داخل ناديه وهو الذي كان يحلم بنجاحات كبيرة وانتصارات ساحقة وتتويجات في كل الفروع، ولكن فاته أن الألقاب لا تأتي إلاّ بالعمل والبرمجة والإنتدابات الناجحة المدروسة والإنضباط وأشياء أخرى قد يكون اكتشفها بعد فوات الأوان.. ومهما يكن من أمر نعتقد أن حسن النية متوفر لديه وبالتالي فهو ضحية اختياراته و«العصابة» المحيطة به.
بقلم: عادل بوهلال